
بعد مرور نحو شهرين على التصعيد الواسع للعدوان الإسرائيلي على لبنان، ما يزال الآلاف من العائلات يبحثون عن مساكن لائقة في المناطق الأكثر أمانًا في البلاد نسبيًا. كعادتها، اتجهت الدولة اللبنانية إلى خيار إيواء الأسر النازحة بشكل مؤقت في المدراس1 التي باتت تستضيف نحو 200 ألف شخص اليوم.2 أما في بيروت، هناك ما لا يقل عن 30 ألف نازح لجأوا إلى 90 مدرسة رسمية وخاصة يرتادها 15 ألف طالب هم محرومون من التعليم حاليًا بسبب الأزمة. أما أطفال النازحين المحصورين في الصفوف الدراسية كنازحين لا كطلاب، فكان من الممكن أن ينضموا إلى تلك المدراس نفسها واستكمال حياتهم ولو بشكل شبه طبيعي، والمفارقة العجيبة أنهم مهدّدون بخسارة عامهم الدراسي على الرغم من إقامتهم داخل صفوف دراسية حاليًا. مع امتداد الحرب على لبنان، يندفع المسؤولون لنقل النازحين من المدارس التي تأويهم حاليًا، متغافلين عن الخيار الأنسب، وهو الرصيد الكبير من المساكن الشاغرة في بيروت.
نطرح في هذه المقالة ضرورة ضمّ المباني الشاغرة في بيروت ضمن خطط الاستجابة للطوارئ في المدينة، واستخدام جزء منها كمساكن مؤقتة تحت إشراف جهة عامة ووفق إطار موثوق. يساهم تفعيل المباني الشاغرة في إيواء العائلات النازحة بشكل أفضل وإنقاذ العام الدراسي على المدى القريب. كما يساهم إنعاش هذا الرصيد السكني في تهيئته للاستخدام وإدماجه في السوق السكني إمّا للإيجار أو البيع على المدى البعيد.
نطرح في هذه المقالة ضرورة ضمّ المباني الشاغرة في بيروت ضمن خطط الاستجابة للطوارئ في المدينة، واستخدام جزء منها كمساكن مؤقتة تحت إشراف جهة عامة ووفق إطار موثوق. يساهم تفعيل المباني الشاغرة في إيواء العائلات النازحة بشكل أفضل وإنقاذ العام الدراسي على المدى القريب. كما يساهم إنعاش هذا الرصيد السكني في تهيئته للاستخدام وإدماجه في السوق السكني إمّا للإيجار أو البيع على المدى البعيد.
×
×
لنبدأ أولاً بتحديد الرصيد السكني الذي ينبغي ضمّه إلى خطة الاستجابات الفورية لأزمات النزوح. في دراسة أجراها مختبر المدن في بيروت عام 2023 3وجدنا أن نسبة الشغور في بيروت هي 19% أي ما يعادل 44 ألف وحدة سكنية. تقدّر الدراسة أن هناك 2,150 مبنى شاغر بشكل كامل يضم 7,000 وحدة سكنية شاغرة لمدة لا تقل عن عامين. لا تشمل هذه الوحدات الشقق الموجودة في المباني المأهولة بشكل جزئي أو الحديثة البناء، ولا المنازل التي يملكها المغتربون، علمًا بأن الكثير منهم فتحوها واستقبلوا فيها أقاربهم وأصدقاءهم الباحثين عن مأوى. يمثل هذا العدد شققًا في مبانٍ يملكها مستثمرون لبنانيون أو أجانب، يعود تاريخ امتلاك أو بناء البعض منها إلى ما قبل اندلاع الحرب الأهلية. توفّر الدراسة المزيد من المعلومات عن الظروف السكنية لهذه الشقق، وتكشف بأن معظم المباني صالحة للسكن وبحاجة إلى بعض التصليحات أو وصل شبكات الخدمة (الشكل 1). ساهم هجر هذه المباني لعقود طويلة في تداعي الأحياء السكنية المحيطة بها، وهذا ما يُعرف بنظرية "النافذة المكسورة"، حيث يؤدي الهجر إلى تقليص عدد سكان وزوّار الحيّ السكني وبالتالي إقفال المحلات التجارية وتراجع الحياة في الشوارع وانتشار الممارسات غير المشروعة.4


×
يُعدّ سوء إدارة عمليات الاستقطان، وهو من المخلّفات السلبيّة للحروب وغيرها من الأزمات المسببّة للنزوح التي مرّت بها البلاد في السابق، من العوائق الأساسية أمام فرض إسكان النازحين في المباني الشاغرة. ولهذا السبب يخشى الكثير من الناس من الإشغال المؤقت كحلٍ ممكنٍ للأزمة، ويدعّمون مخاوفهم بتاريخ حافل من التعديّات وعمليات الاستيلاء التي كان يمارسها بعض الأفراد المدعومين من قوى مسلّحة غير تابعة للدولة ضد أصحاب المنازل الشرعيين. ويشير هؤلاء تحديدًا إلى ظاهرة الاستقطان التي انتشرت خلال الحرب الأهلية اللبنانية وبعدها (1975 – 1990) في كافة الأراضي اللبنانية. كما أن سياسات ما بعد الحرب فاقمت من المظالم بدلاً من تدارك التقصير والتعويض عن التسويات غير العادلة. فمن جهة، كانت عمليات استرداد الأملاك الخاصة تؤجل في أغلب الأحيان وكانت أولوية التسليم تُمنح لمن لهم صلة بأصحاب النفوذ. في الوقت نفسه، كانت التعويضات الممنوحة للمستقطنين الذين تم إخلاؤهم من الشقق بعد الحرب في فترة التسعينيّات توازي سلطة الجهة السياسيّة المساندة لهم عوضًا عن المصاعب التي كابدوها أو حاجتهم الفعليّة للسكن. بعد الحرب، لم يُمنح أصحاب الأملاك أيّ محفّزات أو دعم لإصلاح مبانيهم. هاجر الكثير منهم البلاد وتحوّلت أملاكهم إلى أنقاض في الأحياء السكنية القائمة فيها وذكرى دائمة تذكّر الناس بتجارب الحرب الأهلية الأليمة. باختصار، يمكن اعتبار سوء إدارة عمليات النزوح المتكرّرة سببًا مفهومًا لقلق المواطنين حيال استخدام المنازل الشاغرة للمأوى خلال الأزمات.
×
1 يُرجى زيارة منصة "مراكز الإيواء المعتمدة في لبنان" عبر هذا الرابط.
2 فُتحت المدارس الرسمية والتي يبلغ عددها الإجمالي 1,170 بشكل رئيسي لاستقبال النازحين على الرغم من مزاعم استبعاد غير اللبنانيين (مثل العمال المهاجرين واللاجئين السوريين) والرجال العزّاب. المصدر: وحدة إدارة مخاطر الكوارث
3 للمزيد من المعلومات عن دراسة الشغور السكني التي أجراها مختبر المدن يرجى الاطلاع على هذا الرابط.
4 يُرجى الاطلاع على https://www.lincolninst.edu/publications/policy-focus-reports/empty-house-next-door/
5 أثبتت آليات مشابهة فعاليتها في الاستجابة للأزمات في أماكن أخرى (كومونا في بلجيكا، الإسكان من أجل الإنسانية في أوكرانيا وغيرها).
6 أظهرت مراجعة سجلات الأملاك دعاوى قانونية مطوّلة وضرائب معلّقة على الأملاك المبنية (بلدية ومركزية) على تلك المباني.