منصة مدينة مستأجرين: قاعدة بيانات من المستأجرين في بيروت ولأجلهم

منصة مدينة مستأجرين: قاعدة بيانات من المستأجرين في بيروت ولأجلهم
الصورة: دنيا سلامة
يطلق مختبر المدن في الجامعة الأميركية في بيروت منصة مدينة مستأجرين كقاعدة بيانات يستخدمها المستأجرين لإدخال معلوماتهم بأنفسهم وكأداة بصرية تضع المعلومات المتوفرة عن ترتيبات  الإيجار في المدينة في متناول أيدي الباحثين عن مأوى والمستأجرين في المدينة والباحثين الأكاديميين ومناصري قضايا السكن.
تلقّى المستأجرون ضربةً قاسية جراء الانهيار المستمر في لبنان. فالأزمة المالية تقع في صلب مسألة حق السكن وتهدّد الكثيرين بالإخلاء بينما توقع أغلب الناس في حيرة الاختيار بين الطبابة والغذاء والمأوى. وفي ضوء فقدان العملة الوطنية قيمتها تشتدّ حدة التوتر بين المالكين والمستأجرين: حيث تضجّ الأحاديث اليومية عن استحالة السكن الآمن وحكايات البحث عن سكن ميسور الكلفة في المدينة والتفاوض  غير المجدي على رسوم إيجار عادلة و ظروف سكن ملائمة.تُعدّ التعمية من أبرز سمات سوق تأجير المساكن في بيروت. فبينما تفوّض الأنظمة مهمة التحكيم المستقل للسوق الحرّة تحت فرضية أنها تعمل بحياد وكفاءة، نجد في الواقع شحًّا في المعلومات وتراخٍ في إنفاذ الحقوق. وبالتالي يتحكم مالكي المساكن بشكل أحادي بتحديد قِيم الإيجار وشروطه ويضعون بنود اتفاقيات الإيجار (السعر، المدّة، الصيانة) بأنفسهم.

هذا المشروع هو بقيادة منى فواز وأحمد غربية
 تنسيق المشروع وتصميمه: عبير الزعتري وهايز بوكانن
المساهمون: ليلى دعدوش، رين شديد، جواد شعيب، نور الزغبي فارس، روان حيدر، زينة الحص، يحيى سعيد، شريف ترحيني، رشا زيّور

.يمكنكم الدخول إلى المنصة من هناكما يمكنكم مشاركتنا آراءكم على العنوان [email protected].

يحدّد المالكين توقّعات السعر دون إجراء تقييم واقعي ويعدّلون أسعار الطلب بناءً على صلاتهم الشخصية ببعض الأسر أو حسب تصوّرهم لقدراتهم المادية (حصول اللاجئين على المساعدات، مثلاً). لذا، تتفاوت أسعار الإيجار وشروطه بشكل كبير ضمن المبنى نفسه وحتى إذا تشابهت ظروف السكن أحيانًا. بخلاف ذلك، يتفاوض المستأجرون في ظل التعمية ومحدودية الخيارات بشأن شروط عقودهم من موقع الضعيف، خاصةً وأنّهم يبدون استعدادًا لتقديم الكثير من التنازلات لتفادي التعرض للإخلاء من جديد.

وانطلاقًا من فرضية أن إتاحة الوصول إلى معلومات الإيجار للعامة يحسّن من ظروف المستأجرين، صمّم مختبر المدن في الجامعة الأميركية في بيروت منصة مدينة مستأجرين كقاعدة بيانات يستخدمها المستأجرون لإدخال معلوماتهم بأنفسهم وكأداة بصرية تضع المعلومات المتوفرة عن ترتيبات الإيجار في المدينة في متناول أيدي الباحثين عن مأوى والمستأجرين في المدينة، علاوةً على الباحثين الأكاديميين ومناصري قضايا السكن. تتكوّن المنصّة من خريطة توثّق شروط الإيجار وأسعاره يسجّلها مستأجرون يعيشون في المدينة من أجل المستأجرين أمثالهم الراغبين بالحصول على إيجار ملائم ضمن بيروت الإدارية. توفّر المنصة للمستأجرين بيانات عن الأسعار والظروف الحقيقية للمأوى المطلوب. مما يقلب السرديّة السائدة التي تحدّد من يتحكّم بعملية وخريطة الإيجار. وعليه، تواجه منصة مدينة مستأجرين سيطرة المالكين وترويجهم لعروض الإيجار القائمة على المضاربة، مقدمةً صورة ملموسة وحقيقية عن ظروف الإيجار وتجارب المستأجرين في بيروت اليوم. تتعارض الأسعار "الفعلية" مع الأسعار "المطلوبة" المضخّمة وتسائل التصوّرات القائمة على المضاربة التي تتحكّم بسوق الإيجار. وبهذا، تنضم مدينة مستأجرين إلى قافلة المبادرات في لبنان (مرصد السكن) ودول أخرى (كـ Anti-eviction Mapping Projectو Find My Landlord و Housing Data Coalition و London Renters Union) التي تعتبر الخرائط شكلاً من أشكال التحرّك التعطيلي الذي من شأنه خلق التضامن وإذكاء الروح الجماعية السياسية بين الجهات المعنية بقضايا الإيجار والعدالة السكنية. 

تسجّل منصة مدينة مستأجرين تكاليف الإيجار بالمقارنة مع ظروف السكن في الوحدات المؤجرة وتشكّل، بالتالي، قاعدة بيانات معرفية عن ظروف الإيجار.
تسجّل منصة مدينة مستأجرين تكاليف الإيجار بالمقارنة مع ظروف السكن في الوحدات المؤجرة وتشكّل، بالتالي، قاعدة بيانات معرفية عن ظروف الإيجار.

ونؤكد هنا أن المعلومات لا تغني عن إجراء مراجعة تصحيحية للأطر التنظيمية (الرسمية وغير الرسمية) التي تحكم سوق السكن اليوم. إلا أنّ هناك حاجة ماسة لإعادة تكريس الحق بالسكن ضمن إطار السياسة العامة في ظل ما منحته سياسات الأمولة المتصاعدة من سلطة غير مبررة وغير محدودة للمالكين عبر نموذج التملّك.1 وإذا كانت المنصة أداةً تصحيحية تعالج ندرة المعلومات في بيروت، فهي لا تنفي ضرورة تأسيس نظام فعّال لحماية المستأجرين يحدّ من المضاربة ويعترف بالقيمة الاجتماعية للأرض بشكل أعمّ، دستوريًا وعمليًا.

نُطلق اليوم منصة مدينة مستأجرين التي تقدّم أول مجموعة بيانات مؤلفة من معلومات عن 1,800 وحدة مؤجرة ضمن بيروت الإدارية تم جمعها بين كانون الأول 2021 وكانون الأول 2022. وستقدّم المنصة المزيد من المعلومات الموضوعية تباعًا كلما أضاف المستخدمون بيانات جديدة. ومع ذلك، من الممكن بالفعل الإشارة إلى بعض المكوّنات الجوهرية عن سوق الإيجار في بيروت. أولاً، من الواضح أن المالكين في بيروت يفرضون رسوم إيجار مختلفة إلى حد كبير للوحدات أو المواقع المتشابهة. ففي أكثر من حالة، أبلغ مستأجرون يعيشون في المبنى نفسه في شقق متشابهة حجمًا أنهم يدفعون إيجارًا مختلفًا. وقد كان هذا الفرق شاسعًا في الكثير من الحالات، إذ بلغ حدّ عشرة أضعاف في بعض الاتفاقيات الخاضعة لقانون الإيجار الجديد الموقّع عليها خلال العامين الماضيين. ثانيًا، تعاني الأسر المستأجرة في بيروت من أعباء الإيجار الثقيلة وقد يعتمدون على المساعدات أو الأقارب لتأمين معيشتهم. يصل معدّل عبء الإيجار بحسب التقارير (والمقصود بعبء الإيجار كلفة الإيجار والخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه وخدمات المبنى) إلى 95% للأسر التي شملها المسح. تعتمد هذه الأسر، إذًا، على المساعدات (25% من الأسر) والدعم العائلي (20% منها) لتسديد الإيجار والبقاء في المنازل. ثالثًا، معظم عقود الإيجار لا يسجّل، فبحسب منصة مدينة مستأجرين، يعتمد 50% من الأسر المشاركة في الاستطلاع على العقود الشفهية (أي أكثر 860 أسرة) وقد أفادت 15% من الأسر (أي 264 أسرة) بأنها وقعت عقودًا خطية غير مسجلة في البلدية.

تلمّح هذه النتائج الأولية إلى وجود أوجه ظلم راسخة في سوق الإيجار وهي لا تسلّط الضوء على حتمية جمع المعلومات عن ظروف الإيجار الحالية فحسب، بل على ضرورة تعقّب توجّهات الإيجار السائدة في بيروت وتطبيق هذا النموذج في مدن لبنانية أخرى حيث تندر المعلومات أيضًا. وهذا في طور الإعداد.


1 بلوملي، ن. (2020). الأرض المتداعية: قانون الأملاك والإسكان والنظام الاجتماعي-المكاني. آنتيبود، 52 (1)، 36 – 57؛ بيرن، م. وماك آرديل، ر. (2022). الإشغال الآمن والقوة والعلاقة بين االمالك والمستأجر: دارسة نوعية لقطاع الإيجارات الخاصة في إيرلندا. هاوسينغ ستاديز. 37 (1)، 124 – 142.