بيوت هشّة – تداعي السكن في بيروت

تهدف المنصة إلى تسليط الضوء على أنماط العوز، والاكتظاظ، والعجز عن تأمين كلفة المعيشة الأساسية، والتهجير، والإخلاء، وحبس الرهن، التي باتت سمات بارزة للظروف السكنية التي يعاني منها سكان بيروت. ومن خلال جمع البيانات وتحليلها وتصويرها، تضع المنصة هذه السرديّات في متناول الناشطين، والباحثين، والصحفيين، وسكان المدينة، وتركّز على أهمية مساءلة السياسات الحضرية النيوليبرالية، والمضاربات العقارية، والتنديد بآثارها المدمّرة على المدن المعاصرة، والسعي لمقاومتها.
وفي تناولنا لمفهوم التداعي السكني، نتجنّب اختزال العوز في إطار الفقر الذي يُنسَب إلى أفراد أو مجموعات محددة، لنركّز بدلًا من ذلك على القوى البنيوية التي تُنتج الافتقار وتفاقم ظروف السكن في بيروت (وسواها من المدن) في الزمن الراهن. في هذا السياق، نركّز على العمليات الحضرية مثل أمْوَلة السكن، والرأسملة القسرية، وجنون التطوير العقاري، وممارسات التخطيط العام، التي أسهمت بعمق في إعادة تشكيل المدينة من خلال تسليع الأرض وخصخصة المشاعات.
وتُنتِج هذه التحولات أشكالًا متعددة من التداعي السكني، حيث يصبح منطق الربح جزءًا لا يتجزّأ من نسيج المدينة، ويفرض على سكانها ظروفًا معيشية متردّية، ويُبقيهم في حالة دائمة من التهديد بالإخلاء (بلوملي، 2020؛ كامبل ولاهايج، 2021؛ ساسر، 2021؛ زايدرمان وآخرون، 2015). وعلى الرغم من أن سكان المدينة يخصصون جزءًا كبيرًا من مداخيلهم المحدودة لتأمين الإيجار، إلا أنهم ما زالوا يفتقرون إلى "الحق في المدينة" (مونوز، 2018).

تنطلق مقاربتنا من مجموعة من الدراسات التي تعتبر التداعي نتيجة تدخلات سياسية مباشرة (بورديو، 1997؛ باتلر، 2004؛ وايت، 2009) التي ترتبط بتفكيك شبكات الحماية والرعاية الاجتماعية (كاستل، 2008) في سياق تفاوتات اجتماعية وإقتصادية حادة. وبينما يغرق لبنان في أزماته المتداخلة، ويتراجع حضور الدولة وتقلّ أشكال الدعم الرسمي من جهة، ويتسارع تجريم الفئات الاجتماعية المستضعفة من جهة أخرى، كحال اللاجئين والعمال المهاجرين، تنعكس هذه الأزمات في هندسة مكانية تُتيح لفئات معينة الحصول على مأوى ضمن شروط قاسية وتنظيمات استغلالية.
في بيروت اليوم، يتجلّى التداعي السكني في عدد لا يُحصى من التجمعات السكنية التي يعتمد بقاء سكانها على تأجيل تنفيذ قرارات الإخلاء، حيث يعيش السكان ضمن ترتيبات مؤقتة ومرتجلة في ترقّب دائم للانهيار المقبل. نقترح في هذه المنصة مقاربتين لرسم أوجه التداعي الحضري. ترتكز المقاربة الأولى على تحديد مواقع التصدّع الحضري المعروفة، مثل المستوطنات غير الرسمية والمخيمات أو المواقع المتوقّع تطويرها، حيث تتيح لنا القوى البنيوية رصد مواطن الغموض واللايقين قبل مباشرة العمل الميداني. أما المقاربة الثانية، فتركّز على تجمعات حضرية معيّنة يتم تحديدها من خلال الزيارات الميدانية، حيث تبيّن المقابلات وتحليل الوثائق سرديّات معمّقة توضح العمليات التي تُنتج أشكال التداعي في مواقع معينة. في هذه النسخة، تقدم المنصة دراسات حالة ومرويّات سكنية إضافية باللغتين العربية والإنجليزية.